بقلم احمد صدقي
خبير دولى
الكثيرون يتعاملون مع مصطلح القوة الناعمة بسطحية شديدة، دون التعمق في تفاصيلها ومفهومها والدور الحقيقي لهذه الكلمات شديدة الخطورة، التي لها تأثير كبير على الرأي العام، وخصوصًا في المجتمعات صاحبة التاريخ الكبير والثقافات الممتدة لقرون عديدة.
منذ أن أطلق السياسي الأمريكي المحنك، جوزيف ناي، مصطلح "القوة الناعمة" في تسعينيات القرن الماضي، ومنذ تلك الحقبة وأصبح لهذه الكلمة تأثيرًا قويًا وعنيفًا داخل المجتمعات، وبالأخص في المنطقة العربية، التي عاشت عصورًا "جامدة" لفترات طويلة، كانت معظمها تحت وطأة الإحتلال، حيث غلبت على هذه الأزمنة الهيمنة السياسية والإقتصادية والعسكرية.
ولم يكن هذا المصطلح بدعة ابتدعها السياسي الأمريكي جوزيف ناي، حيث عرفته الأمم منذ عصور طويلة، لكن تحت مسميات أخرى، وكانت الصورة الذهنية وقتها تقود إلى فكرة التأثير والإقناع المباشر، لكنها لم تكن رائجة مثلما الحال الآن.
وتعتبر مصر تحديدًا واحدة من أبرز الدول التي سطع فيها نجم "القوة الناعمة"، خلال العقود الأخيرة، وذلك يرجع إلى كونها أمة لها تاريخ وذات حضارة عريقة، خرجت منها نماذج ورموز عظيمة في شتى مجالات الحياة، ساهموا في تشكيل وجدان المجتمع المصري، على مر العصور، بل أن تأثيرهم امتد إلى خارج حدود الوطن ليشمل المنطقة العربية بأكملها.
و للنخبة تأثيرها الواضح في توجيه الرأي العام، بطريقة غير مباشرة، عبر القدرة على الإقناع وخلق حالة من الثقة تجاهها، بعيدًا عن فكرة الإكراه والإلزام.. وتقوم فكرة القوى الناعمة، على الدور الإيجابي لبعض المشاهير والشخصيات العامة التي تتمتع بالقبول، من فنانين ورياضيين ورجال دين وكتاب ومثقفين وإعلاميين، وحتى السياسيين أصبح لهم دور في هذا الشأن، وخصوصًا الذين يحظون بشعبية كبيرة في الشارع المصري.
ولا تعتبر أسماء المشاهير هي فقط من تصنع التأثير والجذب، أو كما يطلق عليها القوة الناعمة، لكن هناك عوامل أخرى ساهمت بشكل حيوي في تشكيل أراء وأفكار العديد من أبناء الأمة العربية تجاه أرض الكنانة، تمثلت في الأعمال الدرامية والسينمائية المصرية، وكذلك النجاحات التي حققتها "أم الدنيا" سواء في المحافل الرياضية، أو العلمية، أوحتى تلك الحضارة العريقة التي تحمل عبق التاريخ بآثارها العظيمة.
وباتت هذه الفكرة سلاحًا قويًا داخل المجتمع، لما لها من قدرة كبيرة في السيطرة والتوجيه، لكنها في ذات الوقت لم يعد لها النفوذ الأكبر، الذي كانت عليه، وذلك يعود إلى ظهور الكثير من الأسماء التي يمكن أن نطلق عليها ذات تأثير فى هذه "القوة الناعمة" نظرًا لشعبيتها الكبيرة، لكنها لا تحمل المقومات الحقيقية التي تجعل منها نموذجًا يحتذى به ويكون مؤثرًا في الأخر، حيث غابت عنها الحكمة والدور التنويري في المجتمع.
ولعل ما شهدته الفترة الأخيرة من هجوم إعلامي وشعبي ضد إحدى المطربات - على سبيل المثال -، بعد سقوطها في فخ التأثير السلبى للقوة الناعمة، بتصريحاتها المسيئة لمصر ولنهر النيل، يعتبر مؤشرًا خطيرًا يهدد بفقدان بعض أذرع أو ممثلى القوة الناعمة دورهم في التأثير والإقناع والجذب، إذا ما فقد الرأي العام الثقة في من يحمل هذا السلاح الإعلامى المهم، ويملك بعض زمام هذه القوة.
إنه سلاح ذو حدين يا سادة، يجب العمل على حسن استغلاله والاستفادة من تأثيره، بل وتحكمه فى قاعدة عريضة من الرأى العام والتفاعل المجتمعى، مثلما استغلته القوى العظمى فى الغرب خلال مراحل أصعب كثيرا مما نعيشه الآن، وليس الاستهانة بتأثيره وسوء استخدامه، فينقلب من سلاح بأيدينا نستغله لصالحنا، إلى خنجر مسموم قد ينغرس فى صدر رموزنا وتاريخنا!